مظاهر العناية بالصحة في التراث الإسلامي

مظاهر العناية بالصحة في التراث الإسلامي
ثمة حكاية قديمة تروي أن رجلاً في مقتبل عمره أراد أن يذهب في تجارة ليأتي ببعض مال ,وفي الطريق رأى ثعلباً مريضاً بالكاد يتحرك ,فوقف سائلاً نفسه : كيف يأكل هذا الحيوان الواهن ? وفي أثناء تأمله وشروده بأمر الثعلب ,لاح له أسد قوي يحمل فريسة ,فجلس بالقرب من الثعلب
وبدأ يلتهم فريسته حتى شبع وانصرف ,بعد ذلك رأى الثعلب الواهن يزحف الى بقايا الفريسة فيأكل هو الآخر حتى الشبع وينصرف الى مكانه ,وقف الشاب قائلاً في نفسه : إذا كان الله يبعث أرزاق مخلوقاته جميعاً فمالي أركض وأشقى حتى أطعم نفسي ,وعاد الى بيته يقول لأبيه قصة الثعلب الذي جعله يعود من نصف الطريق فقال له الأب : أنت مخطئ يابني تنظر الى ظواهر الأمور ,ليس المهم أن تأكل ,المهم من أين أتيت بطعامك ,إني أريد لك أن تكون أسداً تأكل الثعالب من فضلاته ,لا أن تكون ثعلباً واهناً تأكل بقايا السباع .‏
يقول الله للناس :‏
»كلوا من طيبات مارزقناكم « البقرة 172 .‏
»كلوا واشربوا من رزق الله ولاتعثوا في الأرض مفسدين « البقرة 60 .‏
»كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولاتتبعوا خطوات الشيطان « البقرة 168 .‏
والله كريم بالإنسان : » وأنزلنا عليكم المن والسلوى « البقرة 57 ثم يبين للإنسان ألوان الطعام : »وفاكهة مما يتخيرون « الواقعة 20 »ولحم طير مما يشتهون « الواقعة 21 .‏
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب اللحم ويقول بأنه سيد الطعام في الدنيا والآخرة .وكان كذلك يأكل القثاء بالرطب والملح . وكان يحب الهندباء والبقلة والباذروج ,ويأكل اللبن والتمر ويسميها :» الأطيبين « ولم يكن يأكل من الشاة سبعاً : الذكر ,الأثنيين ,المثانة ,المرارة ,الغدد ,الحيا ,الدم ,بالإضافة الى أنه لم يكن يحب أكل الكليتين .ومن دعائه : »اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ماأحييتنا » رواه الحاكم والترمذي .‏
فالإنسان الخاسر لصحته هو بذات الوقت خاسر لعقله وفكره وعمله لأن قوة الإنسان هي مصدر أي حركة تبدر منه وقد بيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم : » من أصبح منكم في سربه ,معافى في جسده ,وعنده قوت يومه ,فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها « .رواه البخاري وابن ماجة .في أحد الأيام سمع النبي عائشة تقول: »اللهم إني أسألك العفو والعافية « فقال لها : » لقد دعوت بخيري الدنيا والآخرة « خلق الله ألوان وأشكال الطعام والشراب من أجل قوة أبدان وعقول الناس ودعاهم الى هذا الطعام : » ياأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً « البقرة 168 . قل لاأجد في ماأوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به « .الأنعام 145 وإذا كان هذا الطعام يقوي البدن والعقل معاً فإنه في الحين ذاته يعالج البدن ويطرد منه الأمراض .‏
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :»سيد الناس آدم وسيد العرب محمد وسيد الروم صهيب وسيد الفرس سلمان وسيد الحبشة بلال وسيد الجبال طور سيناء ,وسيد الشجر السدر ,وسيد الأشهر المحرم ,وسيد الأيام الجمعة ,وسيدة الكلام القرآن ,وسيدة القرآن البقرة ,وسيد البقرة آية الكرسي ,أما إن فيها خمس كلمات في كل كلمة خمسون بركة «.‏
انبعثت الى الحياة لتعيشها وتكتشفها ,تستمع بمتاعها وتتألم بآلامها ,خذ الحياة بقوة وعشها بقوة واعلم أنه لايستقبل القوة إلا من كانت به قوة ,عليك أن تبني جسدك وتبعد عنه مواطن الوهن .‏
أن تقوم بعمل واحد بقوة ,خير من أن تقوم بعملين بوهن ,أن تقرأ صفحتين بقوة ,خير من أن تقرأ عشرين صفحة بضعف ,يمكنك أن تؤجل عمل اليوم الى الغد عندما تدرك ضعفك إزاءه أن تؤجل خير من أن تقدمه بضعف ,خذ قسطاً من الراحة بين عملين ,راحة النفس وراحة البدن ,كن حذراً من الجري خلف الملذات فإنها تهلك النفس والبدن معاً ,قال الامام الشافعي : »أربعة تقوي البدن ,أكل اللحم وشم الطيب وكثرة الغسل من غير جماع ,ولبس الكتان ,وأربعة توهن البدن كثرة الجماع وكثرة الهم ,وكثرة شرب الماء على الريق ,وكثرة أكل الحموضة .وأربعة تقوي البصر : الجلوس تجاه القبلة ,والكحل عند النوم ,والنظر الى الخضرة ,وتنظيف الملبس ,وأربعة توهن البصر : النظر الى القذر , والنظر الى المصلوب ,والنظر الى فرج المرأة ,والقعود في استدبار القبلة .والنوم على أربعة أنحاء : فنوم على القفا وهو نوم الأنبياء عليهم السلام يتفكرون في خلق السموات والأرض ,ونوم على اليمين وهو نوم العلماء والعباد ,ونوم على الشمال وهو نوم الملوك ليهضم طعامهم ,ونوم على الوجه وهو نوم الشياطين ,وأربعة تزيد في العقل : ترك الفضول في الكلام ,والسواك ,ومجالسة الصالحين , والعلماء «.‏
الإنسان الضعيف يرى كل ما في الحياة ضعيفاً إلى أن يراها باردة لادفء فيه فيبلغ درجة من البرود البدني والروحي يتمنى فيها الموت لأنه لايرى دفئاً فيه وفي الحياة .إن الإنسان القوي يرغب بمزيد من الحياة ويستعد للذهاب الى آخر ركن من العالم في سبيل ألا يمرض يومين ,أوأن يلحق أملاً قد يشفي داءً ألم به .دوماً فإن صناع الأفكار العظمى والقرارات العظمى هم الأقوياء وليسوا الضعفاء ,ولذلك فحتى المؤمن القوي هو خير عنده من المؤمن الضعيف ,واليد العليا هي خير من اليد السفلى ,والانسان يميل الى فكرة الانتحار عندما يستبد به الضعف ,والانتحار ليس قوة ولاشجاعة بأي حال ,ولكن الشجاعة كل الشجاعة تكمن في مدى قدرة المقاومة لدى الإنسان في أحلك ظروف الحياة ,ولذلك فإن أيوب لم ينتحر حتى وهو في ذروة الألم وكذلك إبراهيم حتى وهو يقذف في النار وهذاحدث مع كل الأنبياء ثم مع كبار العلماء والأفاضل فالمقاومة تزيد الإنسان قوة ,والاستسلام يزيده ضعفاً على ضعف .‏
فكان الإنسان وعبر تاريخه كائناً باحثاً عن عوامل القوة البدنية والروحية ونجد اهتماماً بالغاً بعوامل القوة لدى المسلمين ,وكان لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه اهتمام بالغ في ضرورة اكتساب القوة العضلية والفكرية وقاده اهتمامه الى أن كتبوالحجاج بن يوسف الثقفي كان باحثا عن آسباب القوة ويسأل عنها أطباء عصره وقد نصحوه »لاتنكح من النساء إلا فتاة ,ولاتأكل من اللحم إلا فتياً ,ولاتأكل المطبوخ حتى ينعم نضجه ,ولاتشربن دواءً إلا عن علة ,ولاتأكلن من الفاكهة إلا نضيجها ,ولاتأكلن طعاماً إلا أجدت مضغه ,وكل ماأحببت من الطعام ولاتشربن عليه ,فإذا شربت فلا تأكلن عليه شيئاً ,ولاتحبس الغائط والبول ,وإذا أكلت بالنهار فنم ,وإذا أكلت بالليل فامش قبل أن تنام ولومائة خطوة « .‏